ALAEDIN
عدد المساهمات : 2 نقاط : 51400 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 28/10/2010
| موضوع: كفاح امرأة الخميس أكتوبر 28, 2010 2:01 pm | |
| كفاح إمرأة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه القصة حدثت لزميلتي وعبرت عنها بأسلوبي.. لعلنا نأخذ منها الدروس والعبر.الكاتبة: سلوى العضيدان.قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي لتعرفوا أنني ما عانقت اليأس فيها يوماً.. لأنني توكلت على ربي وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل.. عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع.. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة، وما زلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها، كانت أسرتي لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها.. كان أبي يعمل مستخدماً في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان ..كان أبي إنساناً سلبياً قانعاً من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لا يعلم عنهم شيئاً وربما كان تعاطيه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثاراً سلبية جعلته لا مبالياً بكل من حوله كنت أشفق عليه أحياناً وأنا أراه كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكناً ..أما والدتي فاعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة، فالحقيقة أشد إيلاماً، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوماً أنها زوجة وأم، وكانت دائماً تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم.. أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون بين جنبات الشوارع وأغلبهم انحرفوا عن جادة الصواب حتى أخواتي البنات لم يقمن وزناً للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة المجتمع، والكارثة أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع إبتدائي فإنهم يتركون الدراسة من غير سبب. في ظل هذه الأحداث من حولي، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود.. كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعاً. وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غيّر مسار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيماني بالله لما تجاوزتها.. فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط، وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى، تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها 15عاماً أما هو فكان عمره 55 عاماً ومصاب بالضغط والسكر، وكان مدمناً وتاجراً للمخدرات، مما جعلته تجارته هذه تجني أرباحاً كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي يسيل، ومن دون تردد وافقا ولم يأخذا إذني، فصرخت في وجهيهما وقلت: لا أريده، أريد أن أكمل دراستي، زوِّجوه أختي الكبرى.. ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي، أتعلمون ما أول شيء وضعتُه في حقيبتي؟ !وضعت كتبي.. دخلت سجني، وبمجرد أن أغلق الباب وراءه بدأ بافتراسي بكل وحشية، وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه واستلقى مثل الثور على فراشه.. ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي اغتال آدميتها ونقاءها.خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي، خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غالياً وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال، والحبس والحرمان من الطعام، كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة، أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالاً يشغلونني، أنجبت ولدين وبنت خلال( 5 سنوات)، وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي كل ما مررت به في طفولتي ولكن أنّى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم جالسين خوفاً من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيراً ما يقوم جيراننا بإيوائنا رحمة وشفقة بنا ووالديّ كانا لا يحركان ساكناً.. كنت أدعو الله أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي عن احتماله، وقد استجاب الله لدعائي !!فذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: ياأم فلان، زوجك.. زوجك، ركضت أنا وأطفالي مسرعين لنرى ما حدث، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فطعنه زوجي ومات على الفور.. لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الابيض من هول الموقف. أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها من زمن طويل؟! أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة؟ لم أشعر إلا وأنا أردد لا شعورياً: الحمد لله، تذكرت تلك الليلة الحزينة، ليلة زفافي الأليمة حين وجه إلي طعناته النافذة، واغتصبني بقسوة رجل سكير يحمل بين جنبيه قلباً من صخر لا رحمة فيه ولا شفقة، تذكرت جراحي النازفة وثيابي الممزقة، وارتجافي بين يديه بخوف، لم أكن أعلم إلى أين أفر؟ ولم يكن لي مهرب، تذكرت دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء.بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته، أصدرت عدالة ربّي حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي.. بصقت على خزانة ملابسه، وعلى كؤوس خمره وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي، بصقت على كل شبر في منزلي، وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين.. كانت أول كلمة قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم عليّ: الله يرحمه.. هل ورّثك شيئاً؟ولولا خوفي من الله لطردتها، ومن تدابير الله تعالى أن زوجي كان مديوناً وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئاً إضافياً أنا وأطفالي.. شعرت بالألم الممزوج بالقهر.فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد وفضل أهلي الهرب بعيداً عني.. جلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق.. كان أول ما فعلته أني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي.. وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيدة واستأجرت غرفة صغيرة، واشتريت موقداً صغيراً وسريراً مستعملاً لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء.. ولكن ما جعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعاً. بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيراناً طيبين ساعدوني كثيراً فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي، ووجدت عملاً حكومياً كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيطاً ولكن دموعي انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيراً وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش ..اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاباً وطعاماً ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجاً لأطفالي! كنت أرى السعادة في أعينهم.. مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات، وذات يوم سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية؟ عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان ابني البكر يدرس في الصف الأول الابتدائي اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم وموظفة وطالبة! وفي خلال 3 سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه 97% بكيت كثيراً وأنا أرى بداية الخير، وثمار جهدي بدأت تنضج ..انتقلت من عملي كمستخدمة إلى كاتبة في إحدى الدوائر الحكومية براتب جيد بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة (قسم تربية إسلامية) استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة.. ولأول مرة يدخل التلفزيون إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفة من البنك أثثت فيها الشقة، وبدأت أرتاح في حياتي، خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسياً وأخلاقياً.. حاولت أن أعوض أطفالي وأشتري لهم كل ما تهفو إليه أنفسهم. مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير امتياز.. وبعدها تم وبفضل الله تعييني مدرّسة ثانوية.. كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال: أنت أعظم أم.. أنا فخور بك. ولأول مرة أقبض مرتباً ضخماً تصدقت بنصفه شكراً لله ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي كل ما يحتاجون، وبدأت أدخر جزءاً من راتبي لكي أبني به منزلاً خاصاً، وقدمت على الماجستير وحصلت عليه خلال سنتين فقط بتقدير امتياز، وبدأت في بناء منزل مكون من طابقين وحديقة كبيرة ومسبح، ثم قدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعباً جداً خاصة أن أطفالي بدؤوا يكبرون وكان الإرهاق يكاد يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي وبين مذاكرتي وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث، وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها 37 أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت؟ لقد فكرت بأمي، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك؟! ولكن لا تعتقدوا أني كنت عاقة لوالدتي أو أني لم أحاول صلتها في ما مضى! بالعكس لقد ذهبت إليها عدة مرات ووجدتها كما هي لم تتغير !!أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة.. وقد كنت أرسل لها شيئاً من راتبي.ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل.. أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم والحمد لله .. أما أبنائي فقد تخرجوا من جامعاتهم وقد زوجتهم جميعاً، وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملآ عليّ البيت بالحياة وضحكات أحفادي، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري.. والحمد لله.قصتي هذه أهديها لكل يائس ومحبط، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته، وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحياة التي أعيشها الآن بفضل الله.ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. | |
|
ملهم جرجنازي Admin
الجنس : عدد المساهمات : 1423 نقاط : 56135 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 14/09/2010 المزاج : رايق
الأوسمة الخبرة: (2/2)
| موضوع: رد: كفاح امرأة الخميس أكتوبر 28, 2010 2:23 pm | |
| شكرا لك على المرور الطيب وننتظر المزيد | |
|