نحن مثل البطاريات
بالطبع
نحن ندرك أهمية الكهرباء في حياتنا، فاليوم أصبح انقطاع الكهرباء يمثل
أزمة حتى داخل منازلنا والتي امتلأت بالكثير من الأجهزة الكهربائية، ولم
تعد الأمور قاصرة على الترفيه فقط؛ بل إن الكثير من هذه الأجهزة أصبح من
ضروريات المعيشة، وتوفير الكهرباء إما أن يكون عن طريق خطوط الكهرباء
المعروفة أو باستخدام البطاريات، ونحن جميعًا نعلم أن لكل بطارية طاقة
كهربائية معينة تستهلك فتصبح البطارية بلا قيمة، وهناك بطاريات قابلة
لإعادة الشحن، ومالم تشحن البطارية بشكل كامل فإن طاقتها ستنفذ بسرعة، ومع
تكرار الشحن تستهلك البطارية وتضعف حتى تصبح غير ذات قيمة تذكر، نحن نتفق
على كل ما سبق لكن السؤال هو: هل تؤمن حقًا بأن الإنسان مثل البطارية
القابلة لإعادة الشحن؟
فكما
أن الكهرباء ذات أهمية كبيرة في حياتنا فإن الطاقة الإيجابية المكتسبة
بداخلنا والتي نعبر عنها بالروح المعنوية المرتفعة تحظى بذات الأهمية،
وكما ذكرت فنحن نكتسب هذه الطاقة ولا نخلقها أو نوجدها بأنفسنا، وكما يرى
الفيزيائيون بأن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم؛ فأيضًا طاقتنا
الإيجابية يمكن أن ينطبق عليها الأمر ذاته، فهي فعلاً لا تفنى ولكن تتغير
صورتها وهي أيضًا لا تنشأ من عدم، إذن هناك حتمًا أشياء قد تتحول لتصبح
طاقة إيجابية نكتسبها نحن لنفرغها مرة أخرى في أشكال جديدة من النشاط
والحركة، ونحن نحتاج لشحن أنفسنا بهذه الطاقة من وقت لآخر، وكل على حسب
قدرته، لكن من المهم أن ندرك أن الشحن الكامل أفضل من جرعات بسيطة لا تكاد
توفر لنا شيء غير مواصلة الحية بتعب وإرهاق، ولكن كيف نشحن أنفسنا بهذه
الطاقة؟
الأمر
ليس صعبًا كما قد نتصور لكن المشكلة دائمًا تنبع من وجود الفرد ضمن مجموعة
تحيط به قد لا تدرك قيمة عملية إعادة الشحن أو تعوقها دون أن تدري لنقص
الوعي أو عدم الإكتراث الفعلي، كل ما عليك لتعيد شحن نفسك هو أن توجد في
مكان هادئ، أن تبتعد قدر الإمكان عن الضغوط والمشكلات، بعض الأشخاص
تساعدهم الوحدة والعزلة المؤقته ولو لساعات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة
لاتمام هذه العملية، على أن لا يتعرضوا بعدها مباشرة لنشاط مفاجيء يستنفذ
كل طاقتهم دفعة واحدة لتعود المشكلة للظهور مرة أخرى، البعض الآخر يشعر
بأن الإندماج مع أشخاص معينين أو السفر لأماكن جديدة قد يمده بما يريد،
هناك من يجد في قراءة القصص والروايات الخيالية ضالته وهكذا، لكل شخص
وسيلة تساعده على إعادة الشحن، وهذا ما يدركه كل شخص إذا حاول أن يتامل
ذاته وأن يخوض معها عدة تجارب لإنجاز المهمة، لكن ماذا عن المحيطين به؟
إن
الإنسان في تلك الحالة أو لنقل عند إعادة شحن ذاته يحتاج للكثير من
الاستقلالية بحيث لا يشكل الآخرين ضغوطًا نفسية عليه ككثرة السؤال أو
التعجب من حاله أو الاستهزاء برغباته، فقد يكون من غير المالوف أن ترى
رجلاً في العقد الخامس من عمره يريد أن يقرأ رواية خيالية ويستمتع بها،
هذا قد يكون غريبًا لكن عليك أن تضع في اعتبارك أن مثل هذا الشخص قد يكون
في مرحلة إعادة الشحن، وأن ابداءك للتعجب قد يقطع عليه العملية وقد يسبب
له الكثير من الضيق في تلك اللحظة، من جهة أخرى مادامت عملية إعادة الشحن
بالنسبة له ووسيلتها لا تعود عليك بالضرر فالأفضل أن لا تقحم نفسك في
الأمر.
مثال
آخر عن الاشحاص الذين يحتاجون للعزلة لاتمام هذه العملية، وقد يكون الأكثر
اجتماعية هم الأكثر طلبًا لهذه الوسيلة لاتمام عملية الشحن؛ لأنها ستوفر
لهم الهدوء المطلوب بعيدًا عن ضغوط الحديث والمجاملات وإبداء الحلول
ومشاركة المناقشات، لهذا لا تحاول التدخل في عزلة أحدهم مادام يبدو هو
هادئًا ولم يطلب منك المساعدة، قد تسأله ما إذا كان بحالة جيدة أم لا
وتكتفي بذلك، لكن الأفضل أن لا تكرر السؤال، وعندما سيحصل هو على مايريد
سيخرج تلقائيًا من عزلته، عندها لا تحاول سؤاله عن تلك الساعات وتابع
حياتك وكأن شيئًا لم يحدث.
إن
ادراكنا جميعًا لتلك الحاجة الطبيعية لإعادة الشحن يعني أننا قد نحيا حياة
سعيدة بالفعل، وأننا سنترك لكل فرد منا هامش من الحرية ليقوم برفع
معنوياته بنفسه ويواصل حياته بيننا بنشاط وايجابية، أما أن نتعامل مع هذه
الحاجة الضرورية بقلة اهتمام أو استهزاء فالنتيجة حتمًا ستكون نفاذًا
لطاقة الآخرين والتحول إلى السلبية، أو قد يحدث الأسوأ : الإنفجار ثم
التوقف عن العطاء تمامًا
.