مراقبة كوكب زحل Saturn وحلقاته العجيبة باتت امراً مألوفاً لدى هواة الفلك في هذه الايام بسبب انتشار التلسكوبات المختلفة القياسات وسهولة استخدامها.
اما في القرن السابع عشر فقد كانت قلة من الناس تستطيع وضع يدها على التلسكوبات الجيدة المتوفرة آنذاك وكان عالم الفلك الايطالي جيوفاني كاسيني Giovanni Cassini واحداً من هذه القلة و استطاع تحقيق الكثير من الاكتشافات الفلكية ، ومنها اكتشافه الانقسام في حلقات كوكب زحل في العام 1675 والذي عرف باسمه فيما بعد .
واليوم وبعد اكثر من 300 سنة وصلت الى مدار حول كوكب زحل مركبة تحمل اسم
" كاسيني" و هي اكبرمركبة علمية تم بناؤها حتى اليوم إذ يصل وزنها الى حوالي 5،6 طن وبلغت كلفتها حوالي 3،3 مليارات دولار.
وبعكس المركبات التي سبقتها فان " كاسيني" ستمضي حول كوكب زحل Saturn حوالي 4 سنوات تقوم خلالها بـ 76 دورة حول الكوكب واقماره المختلفة .
ولها مسبار يحمل هو الآخر اسم احد العلماء المشهورين وهو كريستيان هوي غينز Christian Huygens الذي اكتشف احد اهم اقمار زحل وهو القمر تيتان Titan .
وكان هوي غينز قد اتم صناعة تلسكوبه الخاص في العام 1655، ووجهه الى كوكب زحل لدراسة الحلقات المحيطة به ، عندما شاهد للمرة الاولى القمر تيتان .
تعاون دولي
و كانت مركبة " كاسيني – هوي غينز Cassini -Huygens " قد انطلقت من الارض في 15 تشرين الاول ( اكتوبر ) من العام 1997 ، و هي ثمرة تعاون بين وكالة الفضاء الاميركية ناسا Nasa ووكالة الفضاء الاوروبية ايسا ESA ووكالة الفضاء الايطالية ASI .
ومهمة هذه المركبة تنقسم الى قسمين . الاول هو ما ستقوم به المركبة المدارية "كاسيني " من استكشاف لزحل واقماره ، والثانية هو القسم المتعلق بالمسبار هوي غينز الذي سينفصل عن المركية الام ويهبط على سطح القمر تيتان .
كاسيني- Cassini
وتهدف مهمة كاسيني الى الاجابة عن الاسئلة التي نتجت من مهمات فوياجر- Voyager في الثمانينات من القرن الماضي . ولهذا تم تجهيز المركبة بـ 12 جهاز تقني للقيام بحوالي 27 مهمة تحقيق علمي مختلفة ، يمكن اختصارها على الشكل التالي :
- دراسة الحرارة في الغلاف الجوي لكوكب زحل وتحديد خصائص الغيوم وتركيبها .
- قياس حقل الرياح ، واجراء مراقبة طويلة الامد لفهم الآلية التي تؤدي الى ولادة وتطور واندثار الغيوم .
- تحديد المكونات الداخلية للغلاف الجوي وحركتها .
- دراسة التحولات اليومية في العلاقة بين الايونوسفير والحقل المغناطيسي للكوكب .
- دراسة البيئة الاشعاعية التي كانت موجودة عند نشوء وتطور كوكب زحل .
- التحقيق في اسباب وطبيعة ظاهرة البرق lightning في الغلاف الجوي للكوكب .
كذلك سيحاول العلماء فك اسرار الحلقات الشهيرة لكوكب زحل وبالتالي :
- دراسة العمليات الدينامية المسؤولة عن اشكال الحلقات .
- معرفة المواد التي تتشكل منها هذه الحلقات .
- دراسة العلاقة بين الحلقات واقمار زحل وخصوصاً الاقمار الصغيرة الموجودة داخل الحلقات .
- دراسة توزع الغبار والاحجار النيزكية داخل الحلقات .
وخلال مهمة الاستكشاف لكوكب زحل والتي ستستمر حوالى 4 سنوات ستقوم
" كاسيني- Cassini " بدراسة الحقل المغناطيسي والتي ستتضمن :
- دراسة شكل وترتيب الحقل المغناطيسي .
- دراسة الالكترونات Electrons والبروتونات Protons داخل الحقل المغناطيسي.
- دراسة تفاعلات الحقل المغناطيسي مع الرياح الشمسية ( جزيئات عالية الطاقة تصدر عن الشمس ) ، اضافة الى فهم التفاعلات بين الحقل وبين حلقات الكوكب واقماره .
- دراسة الطريقة التي يتفاعل بها القمر تيتان مع الرياح الشمسية والغازات المؤينة- Ionized Gasses داخل الحقل المغناطيسي .
اقمار زحل
ولم ينسى العلماء في اميركا واوروبا تخصيص جزء لا بأس به من مهمة كاسيني لدراسة الاقمار الجليدية الكبرى لزحل والتي يبلغ عددها 16 قمراً من اصل 31 قمراً تدور جميعها حول الكوكب العملاق .
وستمر كاسيني على مسافة قريبة ( 45,000 – 100,000 كلم ) من القمر ميماس – Mimas لدراسة فجوة هرشل- Herschel التي يبلغ قطرها 400 كلم وكانت هذه الفجوة قد تشكلت من اصطدام كبير تعرض له هذا القمر .
وستحاول كاسيني معاينة سطح ميماس والحصول على صور واضحة للشقوق والظواهر المختلفة الموجودة على سطح القمر .
اما القمر انسيلادوس Enceladus فيعتقد انه شبيه بقمر المشتري يوروبا من حيث امكانية وجود مياه سائلة تحت القشرة الجليدية . ويشك العلماء بوجود حركة جيولوجية في هذا القمر مثل الفوارات المائية التي تقوم بتجديد الطبقة الثلجية على سطحه ، وهو يبرر قدرة سطح هذا القمر على عكس كميات كبيرة من ضوء الشمس .
وسينال القمر إيابيتوس –Lapetus Molecules نصيبه من الدرس. فقد آثار حيرة العلماء بسبب وجود مناطق داكنة على سطحه و يعتقد هؤلاء انها قد تكون ناتجة عن جزيئات عضوية Organic Molecules .
وخلاصة الدراسات التي ستقوم بها كاسيني على الاقمار الجليدية هي:
- تحديد الخصائص العامة والتواريخ الجيولوجية لاقمار زحل .
- معرفة العمليات الجيولوجية المختلفة التي ساهمت في تكوين سطح هذه الاقمار .
- التحقق من تركيبة المواد وتوزعها على سطح الاقمار وخصوصاً المواد العضوية ونوعية الجليد .
- محاولة تحديد تركيبة المواد الجيولوجية التي تشكل اعماق هذه الاقمار .
الجائزة الكبرى : تيتان – Titan
القسم الثاني والمهم من مهمة "كاسيني – هوي غينز" يتعلق بالمسبار هوي غينز الذي سينفصل عن كاسيني في 14 كانون الثاني (يناير) 2005 للبدء بالهبوط على القمر تيتان – Titan .
وتيتان هو القمر الوحيد من بين كل اقمار النظام الشمسي الذي يتمتع بغلاف جوي حوله .
وهو ثاني اكبر قمر في هذا النظام بعد قمر المشتري غانيميد Ganymede .
وسبب اهتمام العلماء بهذا القمر هو التشابه الكبير بينه وبين كوكب الارض . فهو من حيث تركيب غلافه الجوي يـتألف من 90- 97 % من غاز النيتروجين الموجود في الغلاف الجوي للارض بنسبة 70% .
والضغط الجوي على سطح تيتان هو اكثر من الضغط الجوي على مستوى سطح البحر على كوكب الارض بـ 50% فقط .
اضافة الى ذلك ، فان تيتان اشبه ما يكون بمعمل كيميائي ، تماماً كما كانت الارض قبل نشوء الحياة عليها من حوالي 4 مليارات سنة .
فالنيتروجين ( N2) والميثان (CH4) وجزيئات اخرى في الغلاف الجوي للقمر تيتان تتفكك الى مواد كيميائية مختلفة لا تلبث ان تتفاعل فيما بينها لتكوّن مواد جديدة هايدروكاربونية .
هوي غينز- Huygens
عند دخول المسبار هوي غينز في الغلاف الجوي للقمر تيتان ، ستستغرق عملية الهبوط بالمظلة حوالي 2 – 2.5 ساعة حيث سيكون في امكان المسبار المجهز بـ 6 اجهزة عالية التقنية من دراسة الحرارة والضغط الجوي والشحنات الكهربائية والرياح في الغلاف الجوي .
وسيكون في الامكان تحديد نسبة كثافة هذا الغلاف في الطبقات العليا من الستراتوسفير stratosphere كما سيقوم المسبار هوي غينز بتسجيل اصوات الرياح اثناء هبوطه ، ومن ثم بثها الى كاسيني التي ستتولى اعادة بثّها الى الارض لكي يتسنى الاصغاء اليها .
وبما ان مسبار هوي غينز يحمل 6 معدات فائقة التقنية فسيكون في مقدور العلماء تحديد نسب توزع غازات النيتروجين Nitrogen والميثان Methane والهيدروكاربونات الاخرى hydrocarbons اضافة الى محاولة اكتشاف انواع اخرى من الغازات في الغلاف الجوي لتيتان .
ومع ان تيتان يقع على مسافة هائلة من الشمس الا ان كمية الضوء التي تصل اليه هي اكبر بـ 500 مرة من الضوء الذي يصل الى كوكب الارض من القمر ، وهذا يعني ان امكانية اخذ صور واضحة من على سطح تيتان ستكون متاحة امام المسبار هوي غينز .
ويقول العالم جان بيار ليبرتيون Jean-Pierre Lebreton و هو احد العلماء الذين عينتهم وكالة الفضاء الاوروبية ايسا ESA لمتابعة التجارب والقياسات التي سيجريها هوي غينز على سطح تيتان ، ان المسبار مجهّز بمصباح بقوة 20 واط و سيضيء عندما يصير هوي غينز على ارتفاع بضع مئات من الامتار فوق السطح اثناء هبوطه ، وذلك لقياس قوة انعكاس الضوء على سطح تيتان Surface Reflecting .
ويتابع ليبرتون قائلاً انه اذا هبط هوي غينز على اليابسة فسيكون في امكانه اجراء تجارب مستفيضة مثل تحديد الكثافة ، والخصائص الحرارية ، وسرعة الصوت ... اما اذا هبط في مسطّح من المواد العضوية السائلة فسيقوم بقياس ارتفاع الامواج وتحديد عمق هذا المسطح .
و سيعمل المسبار في ظروف قاسية جداً اذ تصل درجة الحرارة على سطح تيتان الى 178 درجة مئوية تحت الصفر والفرصة المتاحة امامه لارسال المعلومات التي يجمعها ستكون في حدود ساعتين فقط عندما تمر كاسيني فوقه اثناء دورانها حول زحل .
مهمة " كاسيني – هوي غينز" تأتي بعد اكثر من 20 سنة على المهمات التي سبق
و قامت بها مركبات بايونير 11 وفوياجر 1 وفوياجر 2 ، التي مرّت قرب كوكب زحل لفترة وجيزة قبل ان تتابع طريقها الى اقاصي النظام الشمسي .
و اشرف على تخطيط تجارب هذه المهمة العلمية نخبة من الباحثين والعلماء حول العالم قد يكون اهمهم العالم الاميركي اللبناني الاصل البروفسور مصطفى شاهين الذي ترك مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory منذ بضع سنوات ، والذي يشغل صفة عالم رئيسي Chief Scientist .
وهو يشرف اليوم على برنامج كبير لدراسة المناخ على كوكب الارض في شكل شامل وعميق .
اما العالم الثاني الاميركي ومن اصل لبناني فهو الدكتور شارل عشي الذي يشرف على مهمة " كاسيني – هوي غينز" بصفة مدير مختبر الدفع النفاث JPL .
وكان العشي قد صرّح لمجلة "علم وعالم" في مقابلة سابقة ( عدد10 ) ان مهمة البحث عن المياه في النظام الشمسي هي في رأس اولوياته كمخطط لاستكشاف وغزو النظام الشمسي .
كريستيان هوي غينز- Christian Huygens
1629 – 1695
كان هوي غينز واحدا ً من أهم علماء الفلك فقد إكتشف الطبيعة الموجية للضوء، ولم ينل حقّه من هذا الإكتشاف إلا بعد مرور 100 سنة عليه .
كان هوي غينز يبني تلسكوباته الخاصة بنفسه ،و اكتشف القمر تيتان في العام 1655، وبعدها بـ 4 سنوات تمكن من تحديد شكل حلقات كوكب زحل .
جيوفاني كاسيني Giovanni Cassini
1625 – 1712
اكتشف كاسيني أقمار زحل لابيتوس Lapetus في العام 1671 ، و ريا Rhea في العام 1672 وتيثيس Tethys وديون Dione في العام 1684 .
واستطاع في العام 1671 اكتشاف الفراغ في حلقات زحل والذي يحمل اليوم اسم "إنقسام كاسيني Cassini Division ".
بعض أقمار زحل
ديوني- Dione
إكتشف ديوني في العام 1684 الفلكي جيوفاني كاسيني . ويعتقد أن نواته صخرية وتمثل 1/3 من كتلته . والجزء الباقي منه 2/3 هو من الجليد .
إنسيلادوس- Enceladus
إكتشفه الفلكي الكبير وليام هرشل في العام 1789، ويبلغ قطره 500 كلم .
بعض الفجوات الظاهرة في الصور يصل قطرها الى حوالي 35 كلم .
إيابيتوس – Iapetus
هو واحد من أغرب أقمار كوكب زحل، لان جزء من سطحه يظهر داكنا كالاسفلت، والجزء الآخر يظهر فاتحا ً كالثلج، إكتشفه جيوفاني كاسيني عام 1671 .
ميماس- Mimas
إكتشف هذا القمر الفلكي البريطاني وليام هرشل في العام 1789 . وميماس لديه الكثير من الفجوات على سطحه الجليدي .
رييا- Rhea
إكتشف هذا القمر جيوفاني كاسيني في العام 1672 . ويبلغ قطره 1,530 كلم . ويصل قطر الفجوات على سطحه الى أكثر من 40 كلم .
تيتان – Titan
إكتشف هذا القمر الفلكي الهولندي كريستيان هوي غينز في العام 1655 . وهو أكبر أقمار زحل، وأكبر من قمر الأرض . سيشاهد العالم الصور من سطح تيتان إبتداءً من شهر كانون الثاني 2005 عندما يبدأ المسبار هوي غينز بارسال الصور الى الأرض .