مكوك الفضاء
استمر التفكير في تصميم مكوك الفضاء أكثر من عشر سنوات، وكان طيرانه، في 21 أبريل 1981، فاتحة عهد جديد في إنجازات الفضاء. واتخذ شكل طائرة بدلاً من شكل سفينة فضاء، وانخفضت نفقاته، بتكرار إطلاقه مئات المرات، بعد أن كانت السفينة تكاد تحترق برمّتها، ولا يستعاد منها غير كبسولة الرواد. وأصبح المستهلك، في رحلة المكوك، هو مستودع الوقود فقط، الذي يرفعه عن الأرض. ولقد بنت الولايات المتحدة الأمريكية أول مكوك، وأسمته "كولومبيا"، ويحوي خمسة حواسب إليكترونية، تتحكم فيه، منذ بدء العد العكسي حتى عودته إلى الأرض. وتنوع حمل المكوك حتى ناهز 29 طناً، يمكن وضعها في داخل هيكله الضخم.
بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء أربعة مكاكيك أخرى، هي على التوالي: "تشالنجر" Challenger، "وديسكفري" Discovery، و"أطلانتس" Atlantic، و"إنديفور" Indover؛ وقد احترق أولها عام 1986. واتسعت رحلات المكوك، وتعددت مهامه؛ إذ أصبح مرن الحركة في المدارات العالية، وفتح آفاقاً جديدة في التطبيقات العلمية، والاستخدامات المختلفة. وازدادت قدرته على حمل أجسام ضخمة وثقيلة، مثل تلسكوب الفضاء، "هابل". كما صار ممكناً استخدام المكوك إطلاق الأقمار الصناعية من مدارات عالية. وباستغلال إمكانيات المكوك، وذراعه التي يمكن أن تنبسط خارجه لمسافة 15 متراً، أمكن الاقتراب من الأقمار الصناعية المعطلة، وخروج رواد الفضاء لإصلاحها، أو جذبها إلى داخل مستودع الأحمال في المكوك، والعودة بها إلى الأرض لفحصها. وأصبح في إمكان رواد المكوك، الخروج، منه للسباحة في الفضاء، والابتعاد عنه مسافة، يمكن أن تبلغ خمسة كيلومترات؛ وذلك بواسطة مقعد نفاث.
أجرى رواد المكوك عدة تجارب، في رحلاتهم المتعاقبة، من أهمها تجربة تتعلق بتصنيع الأدوية في الفضاء، واللحم البارد للمعادن، وتكوين أشكال هندسية من أجزاء معدنية، وقياس الإشعاعات الكونية، وجر الأقمار الصناعية المعطلة، وتصوير المعالم الأرضية بالمصوِّرات المتعددة الأنواع.
4. مهمة في المريخ
دخلت مركبة الفضاء الأمريكية، "مارس أوديسا 2001"، مدارها حول المريخ، بعد أن فشلت محاولتان سابقتان عام 1999. وقد عبَرت الفضاء، طوال مئتَي يوم، اجتازت خلالها 460 مليون كيلومتراً، لإنجاز مهمة، تستغرق سنتَين ونصف السنة؛ وتستهدف تعرُّف الطبيعة الجيولوجية للكوكب الأحمر، الذي ألهب تخيل البشر أطلقت مركبة الاستكشاف، البالغ وزنها 725 كجم، من مركز كنيدي الفضائي، في كاب كانافيرال، في فلوريدا، وهي مزوَّدة بجهاز الرسم الطيفيـ الذي يعمل على أشعة "جاما"، ويتضمن أداة كاشفة للنيترونات؛ ونظاماً لنقل الصور؛ وأجهزة شديدة التطور، تسمح بنقل معلومات عن وجود ماء في أرض المريخ، حتى عمق متر واحد .
وتتيح معرفة التركيب الجيولوجي لسطحه، وطبيعة إشعاعاته وإمكانية خطرها على الإنسان.
5. مصانع في الفضاء
من أهداف التجارب المتعددة، التي أجريت في سفن الفضاء، القدرة على تركيب عقاقير، في الفضاء، بواسطة إقامة معامل أو مصانع للدواء، في تلك السفن، ثم تنقل منها، بعد ذلك، إلى الأرض. فدُرِّب الرواد على تجميع تشكيلات وتكوينات معدنية، على مدارات عالية، ولحم أجزائها؛ وذلك بالعمل فوق كرسي نفاث متحرك، والسباحة خارج السفن، وخارج المكوك، عدة ساعات، حيث يمكن الابتعاد بذلك الكرسي مسافة، تقرب من خمسة كيلومترات. وقد وفرت المرونة الآلية لذراع للمكوك التلسكوبية، التي يمكنها الامتداد خارجه 16 متراً، تجميع هياكل معدنية، في الفضاء، خارج المكوك.
كان ذلك الخطوة الأولى في خطة بناء مصانع في الفضاء، والتدرُّب على تجميع الأجزاء المعدنية "للمحطات المدارية"، أو "المستعمرات الفضائية"، في المستقبل. وفي إطار هذه الخطة، نجح رواد المكوك الأمريكي في تجميع أجزاء لوح معدني، طوله 30 متراً، وبسط أجزائه في الفضاء، وتعريضه لأشعة الشمس، التي تحوِّلها آلاف من الخلايا الشمسية المثبتة في اللوح، إلي طاقة كهربائية، تشغل المصانع الفضائية. وقد أمكن وصْل 93 جزءاً معدنياً بعضها ببعض، تمثلت في عشرات الأنابيب والأعمدة، وقوائم الألومنيوم، لتكوٍّن برجاً هرمي الشكل، ارتفاعه أربعة أمتار؛ بلغ، بعد ذلك، 13 متراً.
6. بيولوجيا الفضاء
يعكف علم بيولوجيا الفضاء على دراسة العمليات البيولوجية في البيئة الفضائية، ومحاولة فهْم سلوك الجينات فيها، وتعرُّف مدى تعبير الجينيوم فيها عن نفسه، وهل هو تعبيره عيْنه في البيئة الأرضية؟ وقد خلصوا إلى تسارع في نمو كثير مما استُنبِت في تلك البيئة، وتأثيره في تفاعلات المادة الوراثية لبناء البروتين دوره في كمونها. وتعرُّض طبقة الأوزون للتأكُّل، بفعل الملوثات الكيماوية المتصاعدة من سطح الأرض، وتلك المنبعثة من الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية، ومن الطائرات النفاثة، التي تخترق تلك الطبقة ـ أسهم في ازدياد الأشعة فوق البنفسجية ازدياداً مطَّرِداً، وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان بعض الثلوج القطبية؛ ما حمل علماء جينيوم الفضاء على تركيز أبحاثهم في الطبقة الأوزونية. واستطاعوا تخليق جينيوم سلالة بكتيرية، قادرة على الحياة الدائمة فيها، وتحليل المواد الكيماوية المسببة لتأكُّلها.