افاقت
هيلاري كرافن في جوف الليل على ازيز طائره يشق سكون الليل وارتكزت على
مرفقيها تنصت إلى الأزيز .. ثم نادت توم بيترتون الذي كان مستغرقا في نومه
على سرير اخر بالقرب منها ، فقالت له وقد افاق : - توم .. اتسمع ازيز
طائره؟ انها تطير منخفضه فوق البناء .. فقال ومازال النعاس يغالبه : - إن
الطائرات لا تفتأ تروح وتغدو في هذه المنطقه .. فقالت : - مايدريني انها
طائره جاءت لكي .. ثم بترت جملتها ولاذت بالصمت ولم يسألها توم عما كانت
بسبيل التفوه به إذ مالبث ان غرق في النوم من جديد . لبثت هيلاري متيقظه
وهي تستعيد إلى ذهنها دقائق ذلك الحديث الذي جرى بينه وبين اريستيد .. لقد
هام بها العجوز حبا ولم يتردد في ان يصارحها بالمشاعر التي يجيش بها فؤاده
فهل تستغل هذا الوضع وتلعب بهذه الورقه ؟ عندما يجيء في المره التاليه
ويدعوها إلى لقاءه فسوف تستدرجه إلى الحديث عن زوجته ذات الشعر الاحمر ..
إن الذي اجتذبه إليها لم يكن جمالا خلابا او قواما ساحرا وإنما تاج من
الشعر الاحمر فهو رجل عزوف عن النساء بعيد ان يفكر في الجنس.. ولكنه
يستعيد فيها ذكريات الشباب التي اندثرت .. إنها بشعرها الاحمر تذكره بتلك
التي احبها على عهد الصبا والشباب.. فهل تراها تستطيع ان تستغل فيه هذه
النزوه لكي تحمله على ان يصحبها معه إلى العالم الخارجي ؟! طالما قالت في
نفسها : لابد ان اخرج من هذا السجن لابد ان اجد وسيله للفرار .. فهل يكون
اريستيد هو طريق الهرب !؟ .. **** قال المفتش ليبلان وقد اشرق وجهه : -
رساله.. ها نحن اولاء اخيرا نتلقى رساله .. كان سكرتيره قد دخل عليه يحمل
إليه ورقه مطويه تناولها منه ليبلان وفضها وجرت عليها عيناه سريعا ثم قال
في انفعال : - هذا تقرير من احد الطيارين الذين عهدت إليهم بأن يمسحوا
الصحراء في المنطقه المتاخمه لجبال اطلس .. فتساءل جيسوب : - مالذي جاء في
التقرير؟ فأجاب : - إنها مكتوبه بالشفره، ويقول فيها إنه عند طيرانه فوق
موقع معين في المنطقه الجبليه تلقى إشاره لاسلكيه بطريقة مورس وقد كررها
مرسلها ثلاث مرات وهذا نص الإشاره اللاسلكيه .. وبسط امام جيسوب ورقه لا
تحمل إلا هذه الكلمات كوج جذام سيل .. واستطرد المفتش ليبلان يقول : - أما
الكلمه الأولى ( كوج ) فهي كلمة السرالتي نعرف بها ان الرساله اللاسلكيه
صادره من احد رجالنا وليست مدسوسه علينا والكلمه الثالثه سيل شفره سريه
معناها لا اعلم شيئا والكلمه الوسطى جذام معناها واضح .. فقال جيسوب : -
جذام ؟ هل لديكم في هذه المنطقه مصحات للجذام ؟! فأجاب الشرطي الفرنسي: -
لست ادري .. ومع ذلك يمكننا ان نتأكد .. وجاء بخريطه نشرها على المكتب
وانكب عليها يفحصها واومأ باصبعه إلى موضع فيها وقال: - هذه هي المنطقه
التي كان طيارنا يحوم فوقها .. ثم اخذ يقرأ البيانات المدونه بهامش
الخريطه ..
--------------------------------------------------------------------------------
وعاد يشير إلى نقطه ملونه باللون الاحمر وقال: - هنا .. انظر .. إنها
مستعمرة الجذام .. - ومن صاحبها ؟ من الذي يديرها ؟ الحكومه الفرنسيه ؟ -
لا اعلم ، سوف نرى .. لحظه واحده غادر غرفته وعاد بعد لحظات يحمل مجلدا
ضخما اخذ يقلب صفحاته حتى استقر على صفحه معينه وقال : - هاك مانبحث عنه
.. في هذا المكان المهجور من الصحراء مستعمره للجذام انشأها وينفق عليها
رجل محسن محب للخير من كبار الاغنياء .. وهي تضم مركزا علميا لأبحاث
الجذام والسرطان والجدري .. وفي المستعمره نحو مائتين من المجذومين يشرف
على علاجهم اشهر الاطباء كما يقومون ببحث علمي يهدفون به إلى اكتشاف دواء
ناجح للجذام وهذا المركز العلمي فوق الشبهات كما انه تحت رعاية رئيس
الجمهوريه نفسه .. فقال جيسوب: - عظيم .. عظيم جدا .. وماذا لديك ايضا من
بيانات ؟ واستطرد ليبلان : - ومن حين لآخر تقوم بزيارة هذا المركز العلمي
بعثات من كبار الشخصيات ومشاهير الاطباء فتتفقده وتطلع على ما احرزه من
تقدم علمي ثم تعود هذه البعثات وهي تردد اعظم الثناء دون ان تستريب في شيء
.. - هذا لأنهم يرون ما يراد لهم ان يشاهدوا . إنني اشعر بأن هذا المركز
العلمي ما هو إلا ستار يهدفون به إلى إخفاء نشاطهم المريب فلا اصلح من
المكان الشرعي المحترم لإخفاء عمل غير مشروع وغير محترم .. فقال ليبلان في
شيء من التردد : هذا محتمل في مثل هذا المكان القصي المهجور الذي يقع في
قلب الصحراء يمكن تخبئة العلماء الذين اختفوا مدة اسبوعين او ثلاثه حتى
يواصلوا رحلتهم بعد ذلك إلى محطة الوصول المجهوله .. فقال جيسوب : - إنني
اعتقد ان هذا المركز العلمي هو نفسه محطة الوصول .. هو نهاية الرحله .. -
ومالذي يحملك على هذا الظن ؟! - لأنه لا داعي لإنشاء مستعمره يحبس فيها
المجذومون فإن الجذام اليوم مع اساليب العلاج يمكن ان يعالج في البيت ..
فيما مضى كانوا يعلقون في رقبة المجذوم جرسا .. فإذا مشى في الطرقات ارسل
الجرس رنينا .. اما اليوم فالأمر يختلف .. ولاداعي لإنشاء مستعمره لعزل
المصابين فيها .. ولذلك اعتقد ان لهذا العمل الإنساني المتسم بالخير هدفا
اخر .. إن هذه المستعمره ليست إلا واجهه تستر وراءها غرضا خفيا .. فقال
ليبلان ومازال التردد يساوره : ولكن المليونير اريستيد صاحب هذه المستعمره
رجل فوق الشبهات .. إنه من اكبر الاغنياء في هذا العصر .. ومن كبار
المحسنين المحبين للخير .. إن له مستشفيات خيريه في باريس وفي ليون .. -
وهل نسيت ان اريستيد كان موجودا في فزان في الوقت الذي كانت فيه اوليف
بيترتون موجوده هناك ؟ - اكان هناك حقا ؟ إذن فالأمر غريب !! - بل غريب
جدا ياعزيزي ليبلان .. وران الصمت برهه على الرجلين واخيرا قال ليبلان : -
إنها لمخاطره جسيمه ان نتعرض للسيد اريستيد دون دليل نستند إليه إن له
نفوذا لايمكن ان تتصور مداه .. إن له اصبعا في جميع المنشآت والمؤسسات
والدوائر الحكوميه والبنوك والصناعات الرئيسيه ومصانع السلاح وشركات النقل
.. بإيماءه واحده تسقط الحكومات وتفلس البنوك والشركات .. واستطرد ليبلان
في شرود : - إنه يعيش في قصره في اسبانيا منزويا متباعدا عن الناس ولكنه
بملايينه يحرك الدوله ويسيطر عليها .. الوزراء جميعا ليسوا سوى دمي مشدوده
إلى خيط اصابعه .. فإذا شد الخيط تحركوا وإذا ارخاه سكنوا وجمدوا في
اماكنهم .. إنه القوة المحركه المختفيه وراء الستار فكيف يمكن ان نواجهه
ونتحداه ؟ يجب ان يتوافر لدينا دليل .. اي دليل قبل ان نخطو خطوة واحده ..
فقال جيسوب: - هون عليك ياصديقي إن الدليل لن يعوزنا في النهاية .. فقال
ليبلان في وجوم : - لو فشلنا فسوف نطرد انت وانا من عملنا شر طرده .. فقال
جيسوب في هدوء : - كن مطمئنا يا صديقي .. إننا لن نطرد .. بل سوف ننتصر